
أصدر مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء تحليلاً جديداً تناول فيه مفهوم اقتصاد المنصات وأنواعه، مسلطاً الضوء على تأثير هذا الاقتصاد على طبيعة التعاملات الاقتصادية، كما استعرض طبيعة اقتصاد المنصات في مصر وأبرز الجهود الحكومية لدعم بيئة عملها، مع تقديم تجربة الولايات المتحدة الأمريكية كنموذج رائد في تعزيز اقتصاد المنصات، حيث أوضح المركز أن العالم شهد خلال العقدين الماضيين تحولاً جذرياً في النشاط الاقتصادي مع بروز اقتصاد المنصات، الذي يمثل نموذجاً اقتصادياً جديداً يعتمد على المنصات الرقمية كوسيط يربط بين المستخدمين المختلفين مثل المستهلكين ومقدمي الخدمات والمطورين، مما جعل الشركات العاملة في هذا المجال قوى اقتصادية كبرى تعيد تشكيل قواعد السوق التقليدية.
وأشار التحليل إلى أن مصطلح “اقتصاد المنصات” يعبر عن الاعتماد المتزايد على الأسواق الرقمية في إجراء التبادلات التجارية والاجتماعية، سواء في بيع وشراء المنتجات والخدمات، أو توزيع المعلومات واستهلاكها، إضافة إلى تعزيز التفاعل الاجتماعي، وعرّف المركز الدولي للتعليم والتدريب التقني والمهني (يونيفوك) التابع لليونسكو اقتصاد المنصات بأنه النشاط الاقتصادي الناتج عن المنصات الإلكترونية التي توفق بين العرض والطلب على العمالة المدفوعة، مثل (أوبر)، ومنصات المبيعات مثل (eBay)، ومنصات الإقامة مثل (Airbnb)، بالإضافة إلى المنصات المالية وغير التجارية التي تتضمن التطوع أو وسائل التواصل الاجتماعي مثل (LinkedIn) أو المعاملات غير المدفوعة كمنصة (Couchsurfing) للإقامة المجانية.
ولفت التحليل إلى تنوع أنواع المنصات الرقمية حسب طبيعة نشاطها، حيث تم تصنيفها كما يلي:
– منصات المعاملات (الأسواق): تتيح للمشترين والبائعين التواصل والتفاعل لإتمام الأعمال التجارية، وتشمل منصات التجارة الإلكترونية مثل (أمازون وعلي بابا)، ومنصات الاقتصاد التشاركي مثل (أوبر)، ومنصات التمويل الجماعي، ومنصات العمل الحر والوظائف المؤقتة.
– منصات الابتكار: توفر تقنيات أو خدمات أساسية تستخدمها الشركات أو الأفراد لتطوير منتجاتهم وخدماتهم، مثل أنظمة التشغيل (Windows)، ومنصات التطوير (Google Cloud)، ومنصات الألعاب، ومنصات إنترنت الأشياء (Google Cloud IoT).
– منصات التواصل الاجتماعي: تسهل إنشاء المحتوى وتبادله بين المستخدمين، وتشمل الشبكات الاجتماعية مثل (Facebook – LinkedIn – X)، ومنصات مشاركة الوسائط مثل (YouTube)، ومنصات المناقشة مثل (Quora)، ومنصات الشبكات الاحترافية مثل (Xing).
– منصات التعلم: توفر بيئة رقمية للمتعلمين للوصول إلى المحتوى والمواد التعليمية.
– المنصات المالية: تسهل المعاملات والخدمات المالية المتنوعة مثل المدفوعات والاستثمارات والقروض وتحويل الأموال.
– المنصات الصحية: تقدم خدمات ومعلومات صحية تشمل الكشف الطبي عن بُعد، والتدريب الصحي، وتتبع اللياقة البدنية، ودعم الصحة العقلية.
– منصات التكنولوجيا: توفر بيئة تكنولوجية لتطوير التطبيقات والعمليات والتقنيات المختلفة.
– منصات البيانات: تدير وتحلل كميات ضخمة من البيانات المنظمة وغير المنظمة، وتدعم اتخاذ القرار وتطوير المنتجات والخدمات القائمة على البيانات.
– منصات المحتوى: تركز على توزيع المحتوى الرقمي ومشاركته واستهلاكه مثل الفيديو والموسيقى والنصوص والأخبار.
– منصات التعاون: تسهل التواصل والعمل الجماعي من خلال أدوات المراسلة ومشاركة المستندات وإدارة المهام.
أوضح التحليل أن سوق المنصات الرقمية شهد نمواً سريعاً مدعوماً بالتطورات التكنولوجية مثل الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والانتشار الواسع للهواتف الذكية، والتوجه المتزايد للعمل عن بُعد، حيث يُقدر حجم السوق بأكثر من تريليون دولار، ووفقاً لتقرير (Global Digital Platform Power Index 2023) الصادر عن شركة الأبحاث Dinar Standard في ديسمبر 2023، بلغت إيرادات أفضل 370 منصة رقمية عالمياً نحو 1.87 تريليون دولار في عام 2022.
وفي ظل هذا الحجم الكبير والتطور السريع، حقق اقتصاد المنصات قيمة اقتصادية عالمية من خلال تحسين كفاءة سوق العمل، وتوسيع خيارات المستهلكين والتجار، كما انعكس تأثيره على التعاملات الاقتصادية عبر عدة محاور:
– تغيير مشهد سوق العمل من خلال دعم نمو الأعمال وتحسين مطابقة العرض والطلب بمرونة وسرعة، وخلق فرص جديدة للعمل الحر.
– خفض تكاليف البحث عن المعلومات والوصول إليها عبر تسهيل مقارنة المعاملات الاقتصادية المحتملة على الإنترنت.
– إعادة تشكيل كيفية إنشاء القيمة الاقتصادية وتوزيعها عبر تسهيل التبادل بين الأطراف المختلفة في الإنتاج والاستهلاك، حيث تربط المنصات المستخدمين والمؤسسات ببعضها البعض، مقارنة بالشركات التقليدية التي تبيع مباشرة للمستهلكين أو المؤسسات.
– توفير وسيلة أقل تكلفة للشركات ورواد الأعمال للوصول إلى سلاسل التوريد والأسواق العالمية، مما يسهل دخول الأسواق ويقلل الحواجز، فمثلاً التطبيقات المحمولة تتيح لرواد الأعمال الوصول الفوري إلى عدد كبير من المستهلكين المحتملين حول العالم.
– تقليل وقت وتكلفة إجراء المعاملات بين مقدمي الخدمات والمستخدمين عبر تقليص عدد الوسطاء في العملية.
– تحقيق كفاءة أكبر في الإنتاج بفضل الحاجة إلى عدد أقل من الموظفين ورأس مال أقل للتخزين والتجهيز، إلى جانب سهولة الوصول إلى الأفكار المبتكرة وتحقيق وفورات الحجم.
وأكد التحليل أن المنصات الرقمية التي تتخذ من الولايات المتحدة الأمريكية مقراً لها تهيمن على السوق العالمية، حيث تصدرت الولايات المتحدة قائمة الدول ذات التأثير الاقتصادي الأكبر والبيئة الداعمة والمنظومة التنظيمية الملائمة للمنصات الرقمية، تليها الصين واليابان، وذلك وفقاً لمؤشر قوة المنصات الرقمية الصادر عن Dinar Standard، الذي يقيس قدرة الدول على دعم وإنتاج شركات المنصات الرقمية بناءً على التأثير الاقتصادي، والبيئة التمكينية، وجاهزية المنصات.
وأشار التحليل إلى أن نجاح الولايات المتحدة في جذب المنصات الرقمية يعود إلى عدة عوامل رئيسية، منها:
– تقديم إعفاءات ضريبية وحوافز مالية للشركات التكنولوجية، مثل التخفيضات الضريبية في ولاية نيفادا، التي توفر أيضاً برامج منح وقروض ميسرة لدعم نمو الشركات الناشئة في القطاع.
– برنامج براءات الاختراع المجاني الذي يضم شبكة وطنية من المنظمات الأكاديمية غير الربحية، ويساعد المخترعين الذين يعانون من نقص الموارد المالية في حماية براءات اختراعاتهم.
– الحماية القانونية للمنصات الرقمية، حيث تنص المادة 230 من قانون آداب الاتصالات على عدم مسؤولية الخدمات الإلكترونية عن المحتوى الذي ينشره المستخدمون، مما يتيح تعديل المحتوى دون مخاطر قانونية.
– إصدار قانون لجنة المنصات الرقمية في مايو 2022، الذي أنشأ “لجنة المنصة الرقمية الفيدرالية” لتنظيم المنصات بما يتوافق مع المصلحة العامة وحماية المستهلكين من الممارسات غير العادلة أو المسيئة.
– تعزيز الأمن السيبراني عبر قوانين خصوصية شاملة مثل قانون كاليفورنيا للخصوصية لعام 2018، الذي يمنح المستهلكين حقوق التحكم في بياناتهم الشخصية، بالإضافة إلى قواعد جديدة صدرت في ديسمبر 2024 لتقييد وصول الخصوم الأجانب إلى البيانات الحساسة.
– حماية المستهلكين من التمييز السعري عبر المادة 6 (ب) من قانون لجنة التجارة الفيدرالية التي تحقق مع الشركات في حال استخدام بيانات المستهلكين لتحديد تسعير مختلف لكل فرد.
وبيّن التحليل أن اقتصاد المنصات في مصر نما بفضل مزيج من الابتكارات المحلية والخبرات الدولية، مع وجود منصات رقمية بارزة مثل أوبر، وسويفل، وأمازون، وطلبات، ومرسول، وجوميا، وقد دعمت الحكومة المصرية هذا النشاط عبر عدة مبادرات، منها:
– تعاون هيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات (ITIDA) مع إدارة التجارة الإلكترونية بالاتحاد العام للغرف التجارية لدعم مشاركة 33 شركة ناشئة مصرية في جناح مصر بمؤتمر (Web Summit) في البرتغال نوفمبر 2023، وهو أهم مؤتمر تكنولوجي عالمي يتيح فرص جذب الاستثمارات والشراكات.
– عقد “منتدى مصر – الرقمنة أولاً” في سبتمبر 2023 بالقاهرة برعاية مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات، والجامعة الأمريكية، لتسليط الضوء على فرص وتحديات التحول الرقمي وتعزيز التعاون بين القطاعين الحكومي والخاص.
– إطلاق وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في 2023 منصة “أجيال مصر الرقمية” التي تقدم مبادرات شاملة لبناء القدرات الرقمية للفئات العمرية المختلفة.
– إصدار قوانين داعمة لبيئة المنصات الرقمية وحماية المستخدمين، منها قوانين الجرائم الإلكترونية، والملكية الفكرية، وحماية المستهلك، وقانون حماية البيانات الشخصية المتوافق مع اللائحة العامة لحماية البيانات الأوروبية (GDPR)، إلى جانب اللائحة التنفيذية لقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات.
– تعديل اللائحة التنفيذية لقانون التوقيع الإلكتروني رقم 15 لسنة 2004 في 2020، لتضمين تقنيات حديثة مثل البصمة الزمنية الإلكترونية التي تربط التاريخ والوقت بالمحرر الإلكتروني لضمان سلامة البيانات وعدم تعديلها.
– إطلاق استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2030 التي تساهم في تحقيق أهداف رؤية مصر 2030 عبر تطوير البنية التحتية، وتعزيز الشمول الرقمي، والتحول إلى اقتصاد معرفي، وبناء القدرات، وتشجيع الابتكار، ومكافحة الفساد، وضمان الأمن السيبراني، وتعزيز مكانة مصر إقليمياً ودولياً.
واختتم التحليل بالتأكيد على أن اقتصاد المنصات غيّر قواعد اللعبة الاقتصادية بتحويل نماذج الأعمال التقليدية إلى نماذج رقمية تفاعلية، مما يجعل هذا الاقتصاد محركاً أساسياً للنمو في العصر الرقمي، وتتمتع مصر بفرصة كبيرة لتعظيم استفادتها من هذا الاقتصاد عبر استمرار دعم التحول الرقمي وتعزيز البيئة الاقتصادية والتشريعية للمنصات الرقمية.
تعليقات