منظمة الصحة العالمية: ميزانيتنا تعادل ميزانية مستشفى واحد في مدينة أوروبية فقط

منظمة الصحة العالمية: ميزانيتنا تعادل ميزانية مستشفى واحد في مدينة أوروبية فقط

قال الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، في كلمته الافتتاحية خلال الاجتماع الـ 42 للجنة البرنامج والميزانية والإدارة التابعة للمجلس التنفيذي، بتاريخ 14 مايو 2025، إن كل اجتماع للجنة، وكل اجتماع للمجلس التنفيذي، وكل جمعية للصحة العالمية يحمل أهمية خاصة، غير أن هذا العام يحمل أهمية استثنائية.

تساءل الدكتور تيدروس كيف يمكن توقع أن تخدم منظمة الصحة العالمية العالم بأسره بميزانية تعادل ميزانية مستشفى واحد في مدينة أوروبية متوسطة الحجم، مما يسلط الضوء على التحديات المالية التي تواجه المنظمة.

أوضح أن الدول الأعضاء ستناقش في الأسبوع المقبل بندين رئيسيين على جدول الأعمال لهما تأثير كبير على مستقبل المنظمة وعملها.

أولاً، اتفاقية الوباء.

وأعرب عن شكره للدول الأعضاء على التزامها بالتفاوض على هذه الاتفاقية التاريخية خلال السنوات الثلاث والنصف الماضية، وعلى روح التعاون التي أظهروها، مؤكداً أن هذا الالتزام يعكس أن التعددية لا تزال حية ونابضة بالحياة، وأنه رغم الانقسامات العالمية، يمكن للدول التوصل إلى أرضية مشتركة، مما يجعلهم يصنعون التاريخ.

أما البند الثاني، فهو ميزانية البرنامج، بما في ذلك الزيادة المقبلة في الاشتراكات المقررة.

شكر الدول الأعضاء مجدداً على الالتزام التاريخي الذي قطعته في عام 2022 بزيادة الاشتراكات تدريجياً لتصل إلى 50% من الميزانية، مشيراً إلى أن الزيادة الأولى أحدثت فرقاً كبيراً، وأن الوضع المالي الحالي كان سيكون أسوأ بمقدار 300 مليون دولار أمريكي لولا ذلك.

وأكد أن موافقة الدول الأعضاء على الزيادة التالية ضرورية لضمان الاستدامة المالية طويلة الأمد واستقلال منظمة الصحة العالمية.

وأشار إلى أن فقدان التمويل الأميركي، إلى جانب تخفيضات المساعدات الإنمائية الرسمية من بعض الدول الأخرى، أدى إلى فجوة في الرواتب تتجاوز 500 مليون دولار أمريكي خلال العامين المقبلين.

وذكر أنه تم اقتراح ميزانية مخفضة قدرها 4.2 مليار دولار أمريكي للفترة 2026-2027، ما يمثل انخفاضاً بنسبة 21% مقارنة بالميزانية الأصلية المقترحة البالغة 5.3 مليار دولار أمريكي.

وأضاف أن الدول وافقت على مبلغ 4.9 مليار دولار أمريكي، لكنه اعتبره لا يزال مرتفعاً في ظل الظروف الراهنة، لذلك تم تعديل الميزانية إلى 4.2 مليار دولار أمريكي.

وأوضح أن جولة الاستثمار، وبافتراض موافقة الدول الأعضاء على زيادة المساهمات المقررة، أكدت حصول المنظمة على أكثر من 2.6 مليار دولار أمريكي، أي ما يعادل 60% من التمويل المطلوب للفترة المالية المقبلة 2026-2027.

وأشار إلى أن الفجوة المتوقعة في الميزانية ستتجاوز 1.7 مليار دولار أمريكي، معتبراً أن حشد هذا المبلغ في الوضع الحالي يشكل تحدياً لكنه قابل للتحقيق.

ذكر أن جولة الاستثمار التي عقدت في 20 مايو خلال الجمعية الصحية كانت فرصة مهمة لمناقشة هذا الموضوع.

أشار إلى أن بعض الدول الأعضاء رأت أن الميزانية المقترحة 4.2 مليار دولار أمريكي قد تكون طموحة جداً في ظل المشهد الحالي لتعبئة الموارد، مؤكداً تفهم المنظمة لهذه المخاوف، لكنه أشار إلى أن هذا المبلغ ليس كبيراً بالنسبة لمنظمة تعمل في أكثر من 150 دولة، وبالمهمة التي أوكلتها الدول الأعضاء.

أكد أن الميزانية السنوية البالغة 2.1 مليار دولار أمريكي متواضعة جداً، خاصةً مقارنةً بميزانية مستشفى HUG في جنيف التي تعمل بنفس الميزانية أو أكبر قليلاً.

تساءل مجدداً كيف يمكن توقع أن تخدم منظمة الصحة العالمية العالم بأسره بنفس ميزانية مستشفى في مدينة أوروبية متوسطة الحجم، خصوصاً في ظل الاضطرابات الصحية التي تعاني منها العديد من البلدان بسبب الانخفاض الحاد في المساعدات الإنمائية الرسمية.

أشار إلى أن هذه الظروف تؤدي إلى فقدان العلاج المنقذ للحياة، وزيادة الإنفاق الصحي المباشر، وإغلاق المرافق الصحية، وفقدان الوظائف للعاملين في القطاع الصحي، مما يجعل الحاجة إلى منظمة صحة عالمية قوية أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى.

أوضح أن الميزانية المخفضة تعني أن المنظمة لن تتمكن من دعم هذه الدول بالشكل الكافي، وأن مبلغ 4.2 مليار دولار أمريكي يفرض خيارات صعبة للغاية على الأمانة العامة.

أشار إلى أن المنظمة شرعت في عملية إعادة تنظيم هيكلية كبرى، مستندة إلى تحليل دقيق للأولويات، مستفيدة من الأزمة الحالية كفرصة لتعزيز الكفاءة.

تم استكشاف تدابير خفض التكاليف مثل نقل بعض الوظائف، وتقديم التقاعد المبكر للموظفين المؤهلين، وتقليص البصمة التشغيلية، مع توقع توفير أكثر من 165 مليون دولار أمريكي بحلول نهاية العام.

ذكر أنه التقى مؤخراً برؤساء 12 من وكالات المنظمة الشقيقة ومبادرات الصحة العالمية لمناقشة سبل تعزيز التعاون وتحقيق التآزر، بما في ذلك تبادل المعلومات حول الفجوات والأولويات، وتحديد البلدان الرئيسية للدعم المشترك، وتحسين آليات التنسيق.

كما التقى بالأمين العام للأمم المتحدة ورؤساء وكالات الأمم المتحدة الأخرى لمناقشة كيفية تكييف المؤسسات متعددة الأطراف مع الواقع الجديد، مستفيدين من التحولات الاستراتيجية التي تقدمها مبادرة الأمم المتحدة الثمانين.

أكد أنه بالرغم من الجهود المستمرة لتحسين كفاءة التكلفة، فإن الحاجة ملحة لخفض نفقات الرواتب بنسبة 25%، مشيراً إلى أن هذا لا يعني بالضرورة تقليص عدد الموظفين بنفس النسبة، لكنه سيؤدي إلى فقدان عدد كبير من الموظفين ذوي الخبرة والكفاءة والتفاني.

أوضح أن هذا التغيير سيؤثر على حياة الموظفين ومهنهم، وأن المنظمة تقدم آليات دعم متنوعة لضمان الصحة العقلية والرفاهية لجميع العاملين خلال هذه الفترة الصعبة.

توقع أن تكون التخفيضات الأكبر في عدد الموظفين في المقر الرئيسي، مع تأثير متفاوت على المكاتب الإقليمية.

أشار إلى أن عملية تحديد الأولويات أسفرت عن تطوير هيكل تنظيمي مبسط للمقر الرئيسي، تم الإعلان عنه الشهر الماضي، يتضمن تقليص عدد الإدارات العليا من 14 إلى 7، وعدد الأقسام من 76 إلى 34.

وأكد أن المكاتب الإقليمية تعمل على تحديث هياكلها التنظيمية بما يتوافق مع المقر الرئيسي.

أعلن عن تشكيل فريق الإدارة التنفيذية الجديد الذي سيبدأ عمله اعتباراً من 16 يونيو، حيث سيشغل الدكتور جيريمي فارار منصب مساعد المدير العام لتعزيز الصحة والوقاية من الأمراض ومكافحتها، والدكتورة يوكيكو ناكاتاني مساعدة المدير العام لنظم الصحة، والدكتور تشيكوي إيهيكويزو المدير التنفيذي لبرنامج الطوارئ الصحية، والدكتورة سيلفي برياند كبيرة العلماء، بينما ستظل الدكتورة راضية بيندسي رئيسة الديوان، وراؤول توماس مساعد المدير العام لعمليات الأعمال والامتثال.

أكد أن اختيار الفريق الجديد تم بعد دراسة متأنية لضمان التوازن بين الجنسين والتمثيل الجغرافي، معتبراً أن القرار كان صعباً ومؤلماً لكل مدير في المنظمة يتعين عليه تحديد من يبقى ومن يرحل.

شكر أعضاء الفريق القيادي السابق على تفانيهم وقيادتهم، متمنياً لهم التوفيق في مراحل حياتهم ومسيراتهم المهنية القادمة.

أعرب عن ثقته بأن الفريق الجديد، في ظل الهيكل التنظيمي المعاد ترتيبه، في أفضل وضع لقيادة منظمة الصحة العالمية في مواجهة تحديات السنوات المقبلة.

أوضح أن القرارات المتعلقة باختيار مديري الأقسام المختلفة ستُتخذ بعد انعقاد جمعية الصحة العالمية، مشيراً إلى أن تقليص عدد الأقسام من 76 إلى 34 سيجعل هذه القرارات صعبة، لكنه أكد أن التركيز على تعزيز المكاتب القطرية لم يتغير، رغم التخطيط لإغلاق بعض المكاتب في البلدان ذات الدخل المرتفع التي لم تعد بحاجة إلى الدعم المحلي.

أكد أن تقليص حجم القوى العاملة يعني تقليص حجم ونطاق العمل، مع تعديل أهداف برنامج العمل العام الرابع عشر حيثما كان ذلك ضرورياً.

أشار إلى أن هذا الوضع يفرض خيارات صعبة على الدول الأعضاء، التي لديها احتياجات وأولويات مختلفة، لكنه شدد على أن المنظمة لا يمكنها القيام بكل شيء.

ذكر أن الدول الأعضاء أكدت مراراً أهمية الحفاظ على التركيز على الوظائف الأساسية، ولذلك تطلب المنظمة دعمها للامتناع عن إضافة المزيد من المهام في الوقت الذي يتم فيه تقليص حجم العمل لضمان الوفاء بالوظائف الأساسية.